الاثنين، 24 فبراير 2014

تحقيق: ‎كيف ينقل تجار مخدرات وصرافون ومهربون أموالهم إلى الخارج ؟


كم تشكل عمليات ضبط الأموال المهربة من مجموع العمليات التي تتم على أرض الواقع؟ لا شك أن النسبة غير معلومة، لكن ضُعف العدد الذي يتم الإعلان عن ضبطه يوحي بأنها نسبة مهمة.
‎ضبط الأموال العابرة للحدود خاصة إلى إسبانيا عن طريق المعابر الحدودية الشمالية هي عمليات تتم، حسب مصادر مطلعة، بشكل شبه يومي، وتختلف معها قيمة ما يتم تهريبه والأشخاص الذين يقومون بهذه العملية، منهم هواة ومحترفون وأيضا عاملون في التهريب المعاشي ممن يتم استغلال فقرهم.
‎لماذا تهرب تلك الأموال؟ وما هي المبالغ الحقيقية لما يهرب من أموال عبر باب سبتة وباب مليلية المحتلتين؟ أسئلة من الصعب الإجابة عنها في الوقت الراهن.
2012و2013 سنتان ذهبيتان لتهريب الأموال من المغرب
‎بين الفينة والأخرى تقود الصدفة عناصر الجمارك المغربية، لاكتشاف أموال مهربة غالبيتها من العملة الأوربية «الأورو». ورغم غياب إحصاءات رسمية إلا أن الكثيرين يعتبرون سنتي 2012 و 2013 سنتين ذهبيتين لتهريب الأموال إلى الخارج. وثيقة رسمية كشفت أن عمليات تهريب الأموال والعملات الصعبة، التي تم إحباطها من قبل المصالح الأمنية والجمركية في مختلف نقط العبور في المملكة خلال سنة 2013، بلغت قيمتها حوالي 4 ملايير سنتيم، بل إن أحد وزراء حكومة ابن كيران صرح بذلك رسميا، إذ بلغت عمليات تهريب الأموال المحبطة خلال السنة المنتهية 192 عملية، قام بها مغاربة وأجانب من جنسيات مختلفة.
‎وإذا كانت مجموعة من المنافذ تعرف تهريب هاته الأموال، فإن الواقع يجعل من معبري بابي سبتة ومليلية المحتلتين ممرين حقيقيين لمبالغ مهمة ورزم من الأموال في الاتجاهين.
‎وتربط الكثير من المصادر تهريب الأموال تلك ببعض الشبكات المنظمة، فغالبا ما تكون عملية التهريب مرتبطة بشبكة أو بأشخاص لهم مصالح معينة، إلا أن جل التحريات والتحقيقات التي تتم مع المعتقلين في هاته القضايا، لا تصل لآخرها فسرعان ما يتم حسم الملف وطيه عبر محاضر صلح، من خلال أداء الغرامات المتوجبة لاستعادة المبالغ الموقوفة وأداء مستحقات الخزينة مع الغرامات الجزافية بطبيعة الحال، فيما عدد قليل منهم يصل لآخر الطريق وتطبق في حقه المساطر المعمول بها.
‎السلطات الإسبانية وحدها تمكنت خلال السنة المنتهية من توقيف عشرات من المغاربة بمعبر باب سبتة المحتلة أو بالجزيرة الخضراء، معهم مبالغ مالية كبيرة لم يتم التصريح بها. لا مشكل كبير لدى السلطات الإسبانية لكنها تطالب فقط بالتصريح بتلك الأموال، في إطار عملياتها المالية الرامية لضبط الأمور فقط.
‎ السلطات المغربية من جهتها لا تعرف الكثير عن عمليات تهريب الأموال إلى الخارج، وليس لها وسائل وإمكانيات لتتبعها ومعرفة طرق تهريبها ولا حتى اتجاهها، فهناك من يقول إن القيمة الإجمالية للأموال المهربة نحو الخارج خلال العقود الأخيرة بلغت قرابة 30 مليار دولار وتوضع أساسا في أبناك سويسرية وأبناك بريطانية علاوة على المشاريع التي يقوم بها مغاربة هناك. ويوضح أحد الباحثين في الهجرة والمال أن جزءا من هذه الأموال مصدره شرعي، ويتجلى هذا في وجود أغنياء يهربون أموالا من تجارتهم إلى الخارج عبر سبتة ومليلية المحتلتين أو شبكات مغربية أوروبية. ويضيف  المصدر ذاته أن هناك طريقة أخرى لتهريب الأموال وتتجلى في التلاعب بالفواتير التجارية عند الاستيراد والتصدير، وهي الطريقة الأكثر استعمالا في الوقت الراهن. كما لا يمكن استبعاد وجود حسابات مصرفية لنافذين في الدولة مصدرها نسب مئوية من الصفقات العمومية التي تتم مع شركات في الخارج.
مافيات منظمة وعروض مغرية
‎تستغل المافيات المنظمة في تهريب الأموال بعض النساء من ممتهنات التهريب المعاشي، لتهريب أموالهم عبر باب سبتة المحتلة أو باب مليلية. وقد شهدت السنتان الأخيرتان توقيف عدد لا بأس به من النساء ممن لا يمتلكن حتى قوت يومهن ومعهن مبالغ مالية لا تقل عن 30 ألف أورو، كن يحاولن تمريرها للجانب الآخر من المعبر بمقابل مادي بسيط، وفق ما صرحن به خلال التحقيق معهن. وتعتمد تلك المافيات على هذا النوع من النساء لإبعاد أي شكوك أو ريبة لدى الجمارك والأمن بالمعبر، خاصة في ظل الزحام الكبير الذي يشهده المعبران في أوقات الذروة، مما يسهل عليهن تمرير الأموال المهربة دونما انتباه، وغالبا ما يكون توقيف إحداهن مرتبطا بالصدفة أو بالإخباريات التي يتوصل بها الجمركيون.
‎مبالغ تراوحت بين 100 ألف أورو وحتى 20 ألف أورو (ألف أورو يساوي تقريبا 11500 درهم مغربية)، وهو ما يبين أن نسب الأموال التي تمر عبر المنافذ البرية كبيرة جدا، بل إنها قد تكون الأكثر استعمالا رغم أن الإحصائيات تضع بعض المطارات في الرتبة الأولى، لكن بعدد العمليات التي تم ضبطها وليس بالمبالغ المهربة، حيث إن المهربين الكبار يستعملون المعبرين الشماليين لتهريب أموالهم. يتعلق الأمر في الغالب ببعض شبكات التهريب أو الاتجار في المخدرات، حيث يقوم هؤلاء بتهريب أموالهم للضفة الأخرى بعد الحصول على ثمن بضاعتهم بالأورو، وهي المبالغ التي يتم تبييضها هناك عن طريق اقتناء شاليهات وإقامة مشاريع مختلفة.
‎بعض العمليات التي كشفت عنها المصالح المختصة بباب سبتة مثلا لم تكشف عن عمليات تهريب انطلاقا من التراب الوطني، بل أظهرت إدخال بعض المبالغ المالية من الأورو للمغرب بطريقة غير قانونية، فهناك عمليات تهريب معكوسة تتم أحيانا من طرف البعض، وتكون مرتبطة أساسا بتجارة المخدرات حسب مصادر أمنية، إذ أن هناك بعض التجار الذين يأخذون ثمن البضاعة بالخارج ويدخلونها للمغرب بتهريبها بتلك الطريقة، وعادة ما يكونون من التجار التقليديين المقيمين ببعض البوادي والمناطق القروية، الذين يرفضون تحويل الأموال بالطرق القانونية المعروفة.
‎كما أن بعض مهربي الأموال المعكوسة قد تكون لهم علاقة ببعض «الصرايفية» كما تقول مصادر مقربة، فهناك بعض الصرافين الذين يشتغلون في السوق السوداء، بدون واجبات وبدون ترخيص يقومون بشراء العملة من الثغر المحتل بثمن منخفض ويقومون بإدخالها للمغرب من أجل الاتجار فيها، خاصة في ظل ارتفاع الطلب عليها وارتفاع سومة الأورو أيضا، مما يدر عليهم أرباحا مهمة ولو بهامش صغير نتيجة تهريبها بتلك الطريقة، وعدم أداء مستحقات الخزينة، كل ذلك يجعل نسبة الربح كبيرة، بل إن هناك من الصرافين الرسميين من ينتهج هذا الأسلوب، ويعرف كيف يتلاعب بالوثائق والفواتير ولا يسقط في شراك المراقبة.
‎مصدر آخر لتلك الأموال المهربة للخارج مصدره بعض أفراد الجالية المغربية بالخارج، وهو أمر يتبين ببعض المناطق التي تكثر بها هاته الجالية، فعدد كبير من محترفي جمع الأورو يتنقلون بين المدن والدواوير خاصة في الفترة الصيفية، ومنهم من يرابط بتلك المعابر ليل نهار لتقديم عروض مغرية للجالية العائدة من الخارج. عروض في الصرف وتجميع الأورو في محاولة منه لكسب أكبر قدر ممكن من هاته العملة الصعبة. فغالبية المهاجرين المغاربة يفضلون الصرف «في النوار» كما ،يقال ،على الأبناك التي تخصم الضرائب.
‎ملايين من الأورو يتم تجميعها في فترات مختلفة من السنة من مهاجرين مغاربة خلال عودتهم، فرغبتهم في الدرهم المغربي خلال مقامهم بالمغرب يجعلهم يبحثون عمن يؤدي أحسن وبالتالي لا يجدون إلا السوق السوداء، التي توفر لهم أحسن العروض، كل تلك “الأوروهات” تجمع وتصبح بدورها في يد الراغبين في تهريب العملة إلى الخارج، دون مشاكل التصريح أو الرسوم التي قد تزيد من رفع ثمن الصرف، ومن ثمة يصبح مجموعة من “الصرافين” العشوائيين أسياد السوق السوداء للعملة ومساعدين لتهريبها لكون الدولة لا تعلم عنها شيئا.
مافيات الهجرة والمخدرات تغير نشاطها إلى تهريب الأموال
‎تحريات مختلفة تمت بالمغرب كما بالجنوب الإسباني حول تهريب الأموال، أظهرت أن الأمر يختلف من شخص لآخر ومن مجموعة لأخرى، وإن كان تهريب المال ليس جديدا بل قديما خاصة في زمن نشاط مافيات تهريب المخدرات، حيث كان تمر عبر معبري باب سبتة ومليلية المحتلتين حقائب وأكياس من الأورو دون مراقبة أو بتواطؤ مع بعض الجهات هناك، وهو مازال مستمرا رغم المراقبة ورغم محاولات الحد من نزيف تهريب الأموال. إذ أن الإغراءات الإسبانية الأخيرة بانخفاض أثمنة العقار هناك وتمكين من يملك عقارا بالديار الإسبانية من وثائق الإقامة، شجع بدوره تهريب جزء من الأموال، فحتى بعض الهاوين وبعض الراغبين في امتلاك عقار أو منزل بالثغر المحتل بدأ يفكر بدوره في كيفية شراء العملة من هؤلاء «الصرايفية» المزورين، وتهريبها بنفسه أو عبر أحد المتخصصين في ذلك.
‎بعض المصادر الإسبانية تشير إلى أن تهريب الأموال غالبا ما يتم من خلال شبكات منظمة، تقوم بعمليات كبرى لتهريب أموال تجار المخدرات أو بعض الأغنياء الكبار الذين يريدون الاستثمار بالخارج أو ضمان مستقبلهم(!). وكان رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام قد أوضح أيضا أن «تهريب الأموال يتم عبر الأرصدة غير المتحقق من هويات أصحابها، أو إلى الشركات الوهمية، أو عبر بيانات كاذبة في أرباح الشركات الكبرى والمتوسطة، بالإضافة إلى الأرباح الناتجة عن اقتصاد الريع».
‎نفس المصادر الإعلامية الإسبانية وحتى بعض المواقع المالية أكدت أن عددا مهما من رجال الأعمال بالشمال هربوا ملايير السنتيمات إلى اسبانيا عبر مليلية خلال سنة 2013، مستغلين التسهيلات الجديدة التي قدمها الإسبان، حيث أصبح تهريب الأموال عبر السيارة و من ثم التصريح بها لدى الجانب الإسباني بمعبر باب مليلية كافيا للحصول على وثيقة رسمية تسمح لصاحب المال باستثماره بشكل قانوني، وشراء عقار بإسبانيا يمنحه فرصة الحصول على وثيقة إقامة. بل إن الإسبان وباستفادتهم من هذه العمليات يغضون الطرف غالبا عن السؤال عن مصدر تلك الأموال، مما شجع عمليات التهريب التي ساهمت بدورها في ضعف السيولة بالسوق المحلي بالناظور خلال الفترة الماضية‪.‬
‎يبقى تهريب الأموال من المغرب المسكوت عنه في كثير من الأحيان، ليس التهريب الصغير لبضع أوروهات يخرج بهم سائحون مغاربة للتبضع أو قضاء العطل بإحدى الدول الأوربية، لكن التهريب الحقيقي هو الذي يمر في حقائب مغلقة من أماكن متعددة تشتغل فيه مافيات منظمة لكن مؤكد بتعاون أو بتواطؤ مع جهات أخرى..
مصطفى العباسي

0 التعليقات:

إرسال تعليق